الطبيب الإنسان حسين الخضر في ذمة الله ..

 

بقلم – الفريق الركن -جلال بن علي  الرويشان

أول طبيب أسنان يعمل في مأرب .. زميل الدكتور الشهيد محمد هائل .. لا يوجد أحد في مأرب لا يعرف هذين الإثنين .. الدكتور محمد هائل والدكتور حسين الخضر .. الأول طبيب أطفال من تعز ، والثاني طبيب أسنان من أبين .. جاءا في ثمانينات القرن الماضي إلى مأرب بعد تخرجهما لأداء الخدمة الطبية الريفية التي كانت مقررة على الأطباء بعد تخرجهم مباشرةً .. أحبَّا مأرب وأهلها ، وأحبتهما مأرب وأهلها ، فاستوطناها ، واستوطنا قلوب أهلها .. فتحا عيادتين ، وأتيا بعائلتيهما ، واستقرا في مأرب .. يساعدان الفقراء ، ويعالجان المرضى ، ويؤديان واجبهما الطبي والإنساني بصمت وصبر وهدوء ، وكأنهما ملاكان هبطا على مأرب من السماء ..

محمد هائل قضى نحبه شهيداً في عملية تقطع غادرة استهدفت نهب سيارته التي كان يقودها لتوصيل ابنتيه وابنة زميله وصديقه وجاره حسين الخضر إلى المدرسة في صباح يوم مشؤوم لمأرب وأهلها وثلاث بنات صغيرات كالزهرات ، ما دار بخلدهن في تلك اللحظة إلا طابور الصباح والإذاعة المدرسية ، وجدول الحصص ، وفي يوم استشهاده هبَّ أبناء مأرب ولحقوا بالقاتل ، وألقوا القبض عليه ، وسلموه للسلطات الأمنية والقضائية ، ورفعوا مطلبهم العاجل للقيادة بالقصاص منه ، وشهدت مأرب أسرع محاكمة ، وأسرع تنفيذ حُكْم ، وأُعدِم القاتل ، وتم صلبه تعزيراً في سوق مدينة مأرب ، وتم إطلاق اسم الدكتور محمد هائل على المجمع الطبي في مأرب .. نعم . قضى محمد هائل نحبه شهيداً ، ومكث الدكتور حسين الخضر ينتظر في مأرب ولم  يبدل تبديلا ، ولم يُغادرها برغم هول المصاب .. يالعجائب القَدَر .. لقد كان الدكتور حسين الخضر هو الذي في العادة يوصل ابنته وبنات جاره الدكتور محمد هائل إلى المدرسة كل يوم .. وفي يوم استشهاد الدكتور محمد هائل أبلغ الدكتور حسين أنه سيتولى هو إيصالهن ..

في عام 2000 م ، زودت الوكالة الألمانية للتعاون الدولي GIZ مستشفى مأرب العسكري بوحدة متكاملة لإنشاء عيادة الأسنان في المستشفى ، وتم تركيب الوحدة بأحدث المعدات والتقنيات ، وجاء بعد فترة أحد الخبراء التابعين للوكالة للإطلاع على عمل الوحدة ، ذهبنا معاً إلى المستشفى العسكري وزرنا الوحدة الجديدة ، ثم سألني ما إذا كان هناك عيادات خاصة لطب الأسنان في مأرب !؟ قلت له : نعم . واحدة فقط .. وأخذته إلى عيادة الدكتور حسين الخضر ، التي كانت في مبنى شعبي بسيط " حوش درهم الخولاني - غربي سوق هنت " .. كانت معدات العيادة قديمة بعض الشيء ، غير أنها نظيفة جداً ومعقمة ، وعشرات المرضى ينتظرون دورهم في غرف انتظار متواضعة للرجال ، وأخرى للنساء .. تحدث الخبير الأجنبي مع الدكتور حسين الخضر باللغة الفرنسية - التي كان الدكتور حسين يُجيدها كتابةً ونُطقاً ، تحدثا كثيراً .. وفي نهاية اللقاء قال لي الخبير الأجنبي ونحن نغادر عيادة الدكتور حسين :

لو أن هذا الطبيب يعمل على تلك المعدات التي في المستشفى ، أو لو أن تلك المعدات في عيادة هذا الطبيب !!

في هذا اليوم يلتحق شهيد الواجب الدكتور حسين الخضر بزميله ورفيق دربه الشهيد محمد هائل .. رحمهما الله وأسكنهما فسيح جناته ، وتعازينا لزوجته الفاضلة أم أكرم ولابنته الكريمة ولأولاده الدكتور أكرم وأخيه محمد ..

وإنا لله وإنا إليه راجعون ..

الأسيف /

جلال علي الرويشان

وزوجته وأولاده